حين يكتب النص بيد الخصم: هل أخطأنا التفاوض مع السنغال كما فعلنا من قبل؟: أحمد أمبارك

جمعة, 06/06/2025 - 13:13

بنشاب : المعركة لا تكون دائما على الميدان، فأحيانا يحقق المفاوض الجيد ما تعجز عنه الجيوش، وحين تُهزم الكلمة، قد ينهزم الوطن دون طلقة، ومن يستخف بأثر الحبر، قد يجد نفسه خارج التاريخ والجغرافيا.

هذا ما عايشناه مرارا في تجارب تفاوضية موريتانية سابقة
تُوقع فيها الاتفاقيات بنصوص ظاهرها الحياد، وباطنها تقييد الإرادة.
ولأننا لم نتجسس على المستقبل حينها، أصبحت اليوم مدننا وموانئنا مرهونة لتلك اللحظة

1- في طليعة الأمثلة: اتفاق الجزائر سنة 1979

في تلك الوثيقة، التي كان يفترض أن تكون بوابة خروج مشرف من نزاع الصحراء، قبلنا ببند لا يُفهم إلا كإعلان استسلام سياسي غير مشروط.،
فجاء نص المادة 3 حرفيا كما يلي:
“تعلن جبهة البوليساريو رسميا انه ليس لديها ولن تكون لها مطالب ترابية او غيرها في موريتانيا.”
لم تطلب الجبهة تلك المطالب اصلا. بل إن الأمر بدا وكأنه من يدعو خصمه للدخول إلى داره، فقط ليستعرض عليه شرطا بأن لا يعود إليها!
إنه تصرف يُجسد أقصى درجات الانكسار السياسي.

لكن المفاوض الموريتاني، بدلا من أن يطلب المقابل
اختار أن يُرضي الشكوك بتصريحات لا تحفظ السيادة
في لحظة كان فيها الجيش ينسحب من وادي الذهب
والحسابات الاستراتيجية معقدة.
وفي المقابل، غاب أي اعتراف من الطرف الصحراوي بسيادتنا على لكويرة، رغم قربها الحاسم من العاصمة الاقتصادية انواذيبو، وهي اليوم تحت السيادة المؤقتة لموريتانيا
وكان يمكن البناء على هذا الوضع لتثبيته دوليا، عبر مبادرة تطالب الطرفين بالتنازل عنها لصالح موريتانيا وفاء لدماء الشهداء الذين سقطوا. لكن الخطأ وقع، ولم يكن خطأ التقدير فقط بل خطأ العجز عن استغلال اللحظة

2- في تفاهم شفوي مع المغرب لترتيبات الانسحاب من وادي الذهب، سُمح لقواته بأن تحل محل قواتنا، دون مقابل، ولا اعتراف، ولا توثيق، رغم أن اتفاق مدريد الثلاثي الموقع سنة 1975 ما زال ساري المفعول حتى اليوم ولا يوجد أي اتفاق دولي يلغيه ولا اتفاق موريتاني مغربي يعيد ترسيم المواقف.

فهل يمكن لموريتانيا اليوم أن تُحيي هذا الحق القانوني؟
هل لدينا الشجاعة التفاوضية لمطالبة الطرفين بتنازل متوازن؟
أم أن الجبن التفاوضي أصبح قاعدة لا استثناء؟

ولمن يشك في أهمية التفاوض القوي، يكفي أن يتأمل المثال الشهير لاتفاق “دايتون” في البوسنة، حين انتصر الطرف الصربي عسكريا، لكنه خسر في التفاوض معظم ما كسبه على الأرض، ذلك أن خصمه جاء إلى الطاولة مدعوما بالشرعية والقانون، وعينه على الغد لا على التصفيق اللحظي

نحن أيضا وقعنا في ذلك الخطأ مرارا،

3- في اتفاقيات المعادن مع شركات أجنبية، اعترفنا بعد سقوط ألنظام 2005أن بعض المفاوضين كانوا مرتشين، بل وسُجن بعضهم على خلفية تلك الاتفاقيات.

وما أشبه الأمس باليوم

ففي 2 يونيو 2025، تم توقيع اتفاق مع السنغال حول الهجرة غير النظامية، ولم نفتح فيه أي نقاش حول التوازن الديموغرافي أو أثر هذا النوع من التنقل على الأمن الوطني
ولا حتى على السيادة على الحدود

ما لم يُقال بعد، هو أننا بصدد خسارة جديدة.

لكنني قررت أن أجل النقاش في موضوع الأتفاق مع الجارة السنغال، وسأخصص لذلك حلقة خاصة ومباشرة، عقب عيد الأضحى المبارك إن شاء الله، ضمن برنامج “التجسس على المستقبل”، الذي أقدمه أسبوعيا وسيُبث بالتزامن عبر صفحة التيار ومركز ديلول، وصفحتي الشخصية،

نحن لا نكتب لنتشفى ولا لنبكي على ما فات لكننا نؤمن أن الوطن لا يُحمى بنصوص تُكتب للترضية، بل تُصاغ لحماية السيادة وأن التاريخ قد يغفر لمن اجتهد فأخطأ لكنه لا يرحم من خاف وربما خان عن وعي او غير وعي.

عيد سعيد

أحمد أمبارك
رئيس مركز ديلول للدراسات الاستراتيجية