بين عدالة منتظرة وشطط متصاعد: واقع الخطاب الشرائحي في موريتانيا

سبت, 12/04/2025 - 13:49

بنشاب : لوحظ مؤخرًا انتشار رقعة الخطاب الشرائحي في صفوف مكونات شعبنا الواحد، في الوقت الذي يرتفع فيه منسوب الوعي الجماعي بضرورة تصحيح واقع المظالم التاريخية والإنصاف، مما جعل التزايد والنكران سيّدا الموقف، في تنامٍ شططي غير مسبوق بين القوة الظلامية المتمسكة بالعقليات البائدة الموبوءة، والأخرى التواقة للتغيير وتصحيح الأخطار الناجمة عن تلك المظالم.

وقد تطور هذا السجال الشرائحي والفئوي إلى حد القدح في بعض الأعراض الشخصية، بقصد أو بغير قصد، نتيجة لتحمس جنوني وصل عتبة الإساءة اللفظية، وهذا خطأ عرضي تلزم التوبة منه، والحلم عن مصدره، أملًا في تتبع الدوافع والأسباب المؤدية له، وإيجاد علاجات لهكذا أخطار، بإحلال مبدأ العدالة والمساواة بين كافة مكونات شعبنا الواحد، الذي يجمعه الوطن والدين، رغم تعدد المكونات والألوان. وذاك تنوع إيجابي يعزز التآخي والشبك الاجتماعي بيننا، مما يعطينا لوحة فنية فريدة قلّ نظيرها، ويجب المحافظة على تلك الفسيفساء الشامخة.

تتشعب دوافع وأسباب هذا السجال الشرائحي والفئوي إلى جذور عديدة، حسب غايات أصحابه ومفتعليه، بتعدد غاياتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لكنها جميعًا تنطلق من مسلكيات الحيف، المترجم بممارسات الغبن والقهر والتمييز الشرائحي والفئوي، وعدم تطبيق السلطة لمبدأ الإنصاف والعدل والمساواة. وهو ما يولد ردة فعل ناغمة من طرف على طرف آخر، ظنًا منه أن السلطة تعمل على تقويضه وتمكين الطرف الآخر من كل المقدرات على حسابه. وهو خطأ غير وارد، ومن المستحيل أن تعمل به سلطة تزن الموازن وتعي تعددية مكونات شعبها الواحد، وهي واعية بالمصالح العامة قلةً وكثرةً.

إن الناظر لمسلك تنامي هذا الخطاب المشحون شرائحيًا وفئويًا، ليدرك يقينًا وقعه المجتمعي، ويدرك جليًا حضور المظالم التاريخية في وسط حماسه، وهو ما يحتم على السلطة إيجاد حل ينهيه بشكل قطعي، دون رتوش أو انصاف حلول، التي تُسمن بعض ممتطي هكذا قضايا، وتعذب البعض الآخر في قاع الحرمان والاستغلال. وهذا النوع من الحلول وشطرنج العلاج يقتل العدل والأمل، ويعمق الشرخ المجتمعي، ويجعل المتربصين يخلطون بين مفهوم الاستغلال الشرائحي والفئوي، والمظالم التاريخية التي تستدعي الحلول الوطنية. والحل النهائي لهذه المظالم تمتلكه السلطة فقط دون غيرها، وهي قادرة على تفعيله في غمضة طرف عين مظلومٍ يأمل إنصافه. والقواسم المشتركة بين مكونات شعبنا تعزز ذلك، إن شاءت السلطة، وسدّ الباب أمام راكبي الأمواج المحلية، ودوائر التربص الإقليمية والدولية، العاشقة لاستغلال أصحاب المظالم لأغراضها هي في الخفاء، وهم أداتها في الظاهر، مع ظنهم أن إبحار السفينة من أجلهم، والعكس صحيح.

صحيح أن ثمة مظالم نكراء تاريخية وقعت وطالت الكثير منا بفعل فاعل، وجانبًا مرتكبيها سواء فيها، وعلاجها هو الحلول الوطنية المنصفة، لا نبشها بغية الجشع السلبي، فذاك منافٍ لقيم الإنسانية التي نصبو إليها، ونحن من دعاتها في حلة البراءة والتنزه.

ثمة وخز ضمير ومساعٍ حثيثة تمتلكها بعض عقولنا الوطنية المنصفة، الغيورة على مستقبل بلدها، والتي تعمل بصمت، وتكابد غلظة الإداريين نحو إحقاق الإنصاف وتسوية المظالم، لكن المخاض عسير. لا ينكر أحد منا -إلا مكابرًا- ذاك الحس الوطني، وجسامة المسؤولية التي سنها رئيس الجمهورية، صاحب الفخامة محمد ولد الشيخ الغزواني، في كل خرجاته الرسمية، التي تصل دومًا حد تطلعات كل المواطنين، خاصة أصحاب المظالم التاريخية والعرضية، ومسعاه الخطابي الصادق نحو موريتانيا موحدة يسودها العدل والأمل والمساواة.

لكن للأسف، هذا النداء الوطني المتكرر من صاحب الفخامة، لم تترجمه الجهات المعنية واقعيًا بحجم دعواه هو، وأمله في تطبيقه، مما شكّل خللًا في صيغة التعليمات الرسمية، وكيفية تنفيذها واقعيًا كما أُريد لها، وينبغي تلافي ذلك. كما أنه أمر مستغرب!

يُحسب لرئيس الجمهورية حرصه الدائم على مخاطبة الجميع، وتُعتبر دعوته للحوار الوطني المرتقب -والذي نأمل أن يكون حوارًا وطنيًا جامعًا- خطوة نحو الخروج من حُزز التناقض وتشكيك هذا، ونطلق من خلاله وطنية “مية” و”زهير” و”جينابا” و”لام”، ونبقى في طهارة حب “حواء” و”آدم” و”شنقيطية موريتانيا” وعزّها، ونموت جميعًا في عشقها ذودًا وبناءً، ونكون نحن موريتانيا، وموريتانيا نحن.

رحم الله أبي وأباك… قُل الحق وأنصف المظلوم.
نحن قادرون على حب موريتانيا ورسم وردتها الفوّاحة.

المدير: محمد فاضل دمب