بنشاب : هل أثرت أجواء العاصمة الشتوية ببردها القارس على حيوية و نشاط الطيف السياسي المعارض الذي يعيش بياتا شتويا لايعكس أننا سنكون بعد شهور عدة في معترك صيف انتخابي رئاسي ساخن، ذلك لأن المعارضة أو المعارضات بوصف أدق مشتتة بين معارضة تدور في فلك النظام وأخرى فاقدة البصيرة والبوصلة وثالثة طلقت خطابها برهة من الزمن وتبحث الآن عن "موجب" أيُّ سبب يعيد لها ثقة ثلثي جماهيرها التي لم تصوت لها في آخر انتخابات أو أضعف الإيمان عن صفقة ترشح مربحة سياسيا.
أمام هذا الواقع فإنه بالنسبة للمعارضات الموريتانية الباحثة عن ذاتها يعتبر نقاش موضوع المشاركة الرئاسيات من عدمه مؤجلا إلى حين، عكس الموالاة التي أطلقت حملتها فعليا، وها هو مرشحها يقوم هذه الأيام بجولات إحمائية استعدادا لصعود الحلبة، فرغم كونه مرشحا فوق العادة لخلافة نفسه إلا أن هاجس مفاجأت الموسم الانتخابي يبقى حاضرا في ذهنية واستراتيجية المرشحين ذوي الخلفية العسكرية الذين أثبتت التجربة داخليا وخارجيا أنهم لا يعلنون عن ترشحهم إلا بعد أن يختاروا بأنفسهم منافسيهم في الانتخابات.
ثم إن هذه المعارضات حين يأمر بعضها ويأذن للبعض الآخر بخوض السباق الرئاسي سيجد الأخير نفسه أمام الواقع التالي:
.المشاركة التي تعني هدر الجهود والإمكانيات في مواجهة مرشح السلطة "الرئيس الحالي" في ظل شكوك لها ما يبررها حول قدرة اللجنة المستقلة للإنتخابات الحالية على الإشراف وإرادة الحكومة في إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وعدم استعداد رجال الأعمال التبرع لصالح ميزانية حملة مرشح معارض ما يعني جملة عدم تكافؤ الفرص أمام المرشحين وبالمختصر الدخول في منافسة محسومة النتائج.
.المقاطعة التي تعني إعطاء فرصة للنظام ليعزز مكاسبه السياسية ويكرس الهيمنة على الدولة، مصيرها ومؤسساتها.
إن المقاطعة ستسهم دون شك في تعميق عدم الثقة بين المعارضة وجماهيرها والمعارضة والطبقة العريضة المحايدة كما ستنمي الشعور بالإحباط لدى عموم الشعب وفئة الشباب خصوصا والتي صارت أغلبيتها ترى في الهجرة طريق الخلاص الوحيد أمامها في وجه ما تعنيه من بطالة وتهميش ما يشكل بدوره خطرا داهما على الاستقرار وعلى حاضر ومستقبل البلاد.
كما أن المقاطعة تقوي ما يتحجج به دوما المغادرين لسفينة المعارضة من أن سبب الانسحابات المتوالية عبر تاريخ المعارضة هو غياب الرؤية الثاقبة لدى المتصدرين للكيانات المعارضة، ما أدى لارتكابهم أخطاء سياسية فادحة في التعاطي مع الشأن العام، تجلى ذلك في عدم اتخاذ القرارات الصحيحة وتبني المواقف المناسبة في قضايا جوهرية وطنية وحزبية، فكانت المحصلة المخيبة للأمال، حيث أن قادة المعارضة التاريخيين أفنوا شبابهم في معارضة الأنظمة الغالبة المتقلبة، وعجزوا عن توحيد المعارضات المدنية ذات المذاهب الإيديولوجية المتناقضة الدوافع والأهداف والمشارب الإثنية العرقية المحدودة الطموح والتي تحركها نزوات ذاتية للفرد الزعيم ومزاجه الذي لا يضبطه تفكير استراتيجي مرتكز على قدرات تنظيرية فطرية ولا هو -الزعيم الملك- يأخذ بمبدأ جماعة الرأي والمشورة.
إن كلا الخيارين المشاركة أو المقاطعة يضع المعارضات الموريتانية على مقصلة التاريخ حيث سيشكل الاختيار بين الموقفين انتحارا سياسيا سيودي بتراكمات وإنجازات أحزاب وشخصيات سياسية تاريخية وصاعدة متشبثة بالبقاء في كون يحكمه الصراع والفناء.
ولكن هنالك خيار ثالث قد يسهم تبنيه في إحياء الأمل بالديمقراطية الوطنية، وهو الخيار السليم والأمثل في الوضعية الحالية، التي لا مناص فيها عن توحيد جهود وأصوات المعارضين الساعين للتغيير، ألا وهو دعم شخصية معارضة تتمتع بمواصفات خاصة جدا من أهمها الفهم العميق للساحة السياسية ونضج التفكير والوعي التام بالمشاكل المطروحة لبلادنا السياسي منها والاقتصادي والاجتماعي، شخصية غير مستهلكة بمعنى أنها ليست من رموز الأنظمة البائدة ولا تحت وصاية جهة مالية أو المعارضة.
شخصية سياسية تجمع بين الثقافة والحصافة قادرة على تلبية طموح الشباب المعارض العازف عن القيام بواجبه الانتخابي وحقه الديمقراطي، شخصية يتوحد خلفها الشباب المحبط من الطبقة السياسية وواقع البطالة والفقر، الشباب في داخل البلاد وخارجها، شخصية تشكل بوتقة ينصهر فيها الشباب المتحفز لبذل جهوده من أجل التغيير والتنمية والتعايش.
فمن هو المرشح الذي سيقدم لنا نفسه كمرشح يشكل قطيعة مع عهود مرشحي الديكور الديمقراطي، مرشح جدي يقدم البديل وينافس على نيل ثقة الشباب وثقة الشعب.
خونه ولد إسلمو