بنشاب : أرجو أن يقرأها بعين راعية وأذن واعية
سيدي الرئيس
ليست هذه أولى رسائلي إليك، ولن أملّ المراسلة، لأن الدين النصيحة، ولأني أعرف أنك لست سيئا في نفسك، أو هكذا سمعت وآنست من رفيقك الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ولا أخفيك أن حبي لك وتقديري، قد تحولا بغضا وكراهية، لكن واجبي الوطني والديني، يفرضان عليّ محاذاة، لا تستجدي عطفك وحنانك، بقدرما تحاول استصدار الإيجابيات بتغليب غرائز الخير فيك على غرائز الشر التي يغذيها بلاط السوء، وحثك على لحظة تأمل واستدراك، لتقيم وضعك وتعرف كيف ولماذا صار حبك بغضا وكراهية، ولماذا صرت حملا ثقيلا يئن المواطن تحت وطأته، المواطن الذي استبشر بك ذات يوم، غدا يكتحل بالبلاء ولابك!...
وصرت حملا على الوطن، أثقل كاهله بأوضاع متردية يعيها كل مواطن من موقعه فاستبد الغضب الصامت بالجميع، ليستسلم العجزة المصابرون، ويهاجر الشباب المغاضبون، مستبدلون بغيرهم من ذوي الهجرة السرية في صفقات كشفتها وسائل الإعلام في كتب منشورة لا تغادر صغيرة ولا كبيرة.
سيدي الرئيس
أنا لا أستجديك، ولا أخافك ولا تخيفني زبانيتك، فقط أنصحك، ابتغاء مرضاة الله أولا، وإرضاء لضميري ثانيا، وحبا لوطني، فأقول لك إنك تسير في الطريق الخطإ، والعاقل إذا انتبه لانزياغه وانحرافه، تدارك خطأه وتلافاه، فعليك أن تتساءل لماذا تحول حبك إلى بغض وكراهية، إن لم تأخذك العزة بالإثم وتماديت فيه.
سيدي الرئيس
إن بلاط السوء الذي يحيط بك هو رهط مفلس ومدمر، من وزير داخليته لوزير عدله، آثر الشحناء والبغضاء على حب الوطن والتفاني فيه، ولن تقنعهم بأن الوطن أغلى من المال وأسمى من أن يكون مسرحا لهواة الدسائس والمكائد، فهيهات أن تقنع الذباب بأن الأزهار أفضل من القمامة، وهيهات أن تقنعهم أن الدولة لا تقوم على الظلم والخديعة، ولعل تأسيسها على تلك الدعائم، هو السر في تهاوي وتهادي قلاع الوطن من حولك.
قد أشعر بحالتكم النفسية وحالتكم الصحية، لكنّ ذلك ليس مسوغا لأن تقدموا فيه الوطن على طبق من ذهب للمفسدين والمتملقين، الذين لا هم لهم ولا طموح لهم غير الظلم ونشر الأحقاد وإشاعة النعرات الجهوية والقبلية والشرائحية، ولا يعوزهم أن يقدموا لك صورة وردية لصورة مأساوية، قد لا تدركها أنت الآن، وقد تحجب عنك بمعسول القول وبحلوه، وتلك هي الطامة الكبرى على الرؤساء الخيرين، إذ تحولهم إلى عتاة وبغاة من قلاع الديكتاتوريات المقنعة بعناق الأوهام المخادعة.
سيدي الرئيس
إن هجرة مائة ألف وتزيد من شبابنا، واستبدالها بنفايات الهجرة السرية من الدول الأوروبية، وإن انهيار القيم والأخلاق وترسيم هاتيك العادات المشينة من نخبتنا التي تتصدر المشهد السياسي، وإن تعاظم الخطابات الفئوية والشرائحية، وإن تدهور الأوضاع المعيشة للمواطن ومستلزماته الصحية والتعليمية والأمنية، كل ذلك تلوح عليه نُذُر شؤم، فاقت التصور والتقدير.
وإن الظلم وتلفيق الدسائس والمكائد على الأبرياء، والرجوع لعهود الوشاية والنميمة والتدليس، والإمعان في الملفات العبثية الواهية، كلها - سيدي الرئيس - تدل على أن اختيارك لبلاطك اختيار سيئ، سواء في ذلك الوزراء والمستشارون والحلفاء، فلقد استبدلت الذي هو خير بالذي هو أدنى!...
سيدي الرئيس
لم يبق لك إلا أن تغير بلاط السوء الذي يحيط بك، لتعيش - ويعيش الوطن معك - أياما بقين من فترتك، تكفر بها سيئات أربع عجاف، أو تكون شجاعا آثر العقيدة العسكرية السامية، فتقدم استقالتك، معلنا عجزك وقصورك عما أردت، وتلك شيمة العسكري الشجاع، فالوطن أغلى وأسمى من مآرب حفنة سوء تتربصه، وإلا ، فلتتهيأ مرتاح البال والضمير، لانقلاب عسكري يأتي من حيث لا تحتسب، وإلا، فلتستعد لانفجار احتقان شعبي لا تتحكم في إطفاء جذوته المتقدة.
سيدي الرئيس
لا أنسى - ولن أنسى - يوم أضفت لاسمك بمرسوم رئاسي كلمة " الشيخ" إشعارا واستشعارا واستهلاكا لنزعة صوفية كامنة، أجلها وأقدرها، لكن اعلم - عفا الله عنك - أننا ما قبَّلنا أيادي الأشياخ والشيوخ إلا بعد أن قبَّلوا رؤوسنا، كما قال الشيخ سيديا باب الكبير، واعلم -هداك الله - أن التصوف إذا لم ينقلك من النفس الأمارة بالسوء إلى مرتبة أخرى غيرها على الأقل مع استبعاد النفس الكاملة، فهو زندقة ضره أكبر من نفعه، وأن الصوفية، إذا لم تزرع فيك محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصرته، فهي مجرد طقوس استهلاكية، أنت والبوذي والهندوسي فيها سواء، فكيف تنتصر لنفسك وينتصر لك رهطك السيء في إساءة افتراضية، ولا تنتصر لرسولك ولا ينتصر رهطك المنافق في إساءة محققة؟ ...
سيدي الرئيس
ألم يان لك أن تتعظ وتعلم ما في الظلم من وعد ووعيد؟
ألم يان لك أن تدرك أن الظالمين باسمك وبسلطانك يرتكبون وزرا أنت من يتحمله؟
ألم يان لك أن تعي أن ملف العشرية مهزلة من الظلم والاستبداد، أتى على الأخضر واليابس في خزينة الدولة بجهود عبثية؟
سيدي الرئيس
لا تعتب علي إن بدوت قاسيا عليك، فالمحب قد يقسو من فرط التقدير والاحترام - وبعض الأحيان من فرط اليأس والإحباط - لمحبه.
والسلام على من اتبع الهدى
أخوكم، الأستاذ / أحمدّو ولد شاش