الراصد/نوافذ( انواكشوط):استأنفت المحكمة المختصة في جرائم الفساد جلساتها مطلع الأسبوع بعد أكثر من شهر ونصف من تعليقها، حيث واصل رئيسها القاضي عمار محمد الأمين استجواب الوزير الأول الأسبق يحي ولد حدمين حول التهم الموجهة إليه، قبل أن يفتح الباب أمام النيابة العامة، ومحامي الأطراف في القضية لتقديم أسئلتهم، فيما بدأت المحكمة أمس الثلاثاء استنطاق الوزير الأول السابق محمد سالم ولد البشير بشأن ما نسب له أمر الإحالة. وقد شهدت الجلستان عدد الكواليس كان أبرزها:
ولد الرايس لولد حدمين: "يا أخيّ اركب معنا ...وغادر المشمولين "!!!
استمات المحامي فضيلي ولد الرايس - بدافع الصلة الاجتماعية أو لتضييق الخناق على الرئيس السابق- إشارة وتلميحا وحتى تصريحا في محاولة إقناع الوزير الأول السابق يحي ولد حدمين بضرورة النجاة بنفسه عبر البراءة من عزيز، وتحميله المسؤولية في إصدار الأوامر في ما نسب إليه من تهم ...لكن خطة الخلاص تلك لم تقنع فيما يبدو ولد حدمين الذي بدا منزعجا من أسئلة ولد الرايس الموجهة بشكل مفضوح زاد فجاجته تبطينها بتهديد بتركه لقدره واختياره.
تعبير ولد حدمين عن انزعاجه ظهر من خلال قسمات وجهه ونبرة صوته وانتقائه لعبارات تسام وزهو بالنفس تفاعلت معها القاعة بالتصفيق وعبارات التمجيد الخاصة بمجموعته القبلية؛ حيث يمكن القول إن منصة القضاة والنيابة و-بشكل أقل تأكيدا- مقاعد الفريق الممثل للطرف المدني كانت الأماكن التي لم تنطق أفواه شاغليها عبارة " سيبه، سيبه دقداقت أزريبة.
كان واضحا أن العرض الذي تقدم به ولد الرايس مثل بالنسبة لولد حدمين إساءة بالغة، ليس فقط بالنظر لما حمل من تحريض على تغير أقواله والاعتراف على نفسه في المقام والمكان الخطأ وبطلب من الشخص الخطأ؛ بل لأن ولد حد أمين لم يكن ليقبل بولد الرايس كممثل للسلطة أو وسيط بينه معها، فضلا عن أن تخليص ولد حدمين من المسئولية بحجة أنه مأمور لا يعفيه قانونيا، فوق كونه يمثل إقرارا بسوء الأفعال والأداء.
واصل ولد حدمين مرافعته عن نفسه وعن العشرية مدفوعا بحماس القاعة، وربما بأصداء التفاعل مع مرافعته الأولى في الجلسة الأخيرة قبل تعليق المحكمة.
نقص عدد الحضور وزاد تنوعهم
ولأن المحكمة قد انتهت من استجواب الرئيس عزيز وانتقلت لبقية المشمولين في الملف، فقد تراجعت أعداد الحضور من مناصري الرئيس، مفسحين المجال لأسر وأنصار بقية المتهمين.
ظهر ذلك جليا من خلال تناقص الأعداد ومن التلويح بالتحايا القادم من قفص الاتهام بعد رفع الجلسات وقبل افتتاحها؛ حيث جاء من أغلب المشمولين وكان موجها لمعارف من الجمهور داخل القاعة تخص كلا منهم.
رغم التبريد ...عزيز يشكو ارتفاع حرارة القفص
لم تنفع التغييرات التي عرفتها القاعة التي تنعقد فيها الجلسة من توفير لأجهزة تكييف ومراوح في تخفيف درجة الحرارة بالقدر المطلوب، خصوصا داخل القفص الذي يجلس فيه المشمولون في الملف، أو على الأقل في جزئه الخلفي الأكثر بعدا من المكيفين الذين تم تركيبهما خلف المنصة مباشرة لمصلحة التشكيلة والنيابة ومع استفادة الجزء الأمامي من القاعة حيث يجلس المحامون من الطرفين.
عدم وصول تبريد المكيف لوسط قفص الاتهام حيث اعتاد الرئيس عزيز أن يجلس دفعه إلى استخدام قطعة من الكيس الورقي الذي تعلب فيه المياه المعدنية كمروحة يدوية للتهوية.
ورغم كونه ظهر بدنيا بشكل أحسن مما كان عليه قبل تعليق المحاكمة منذ شهر، لكنه كان أكثر خمولا من سابق عهده؛ ربما لعامل الحر، أو لكونه تحول لمتابع –وهو الذي اعتاد التصدر- بعد أن انتقلت المحكمة لمشمولين آخرين في الملف.
انفعال رئيس المحكمة
سادت طاقة إيجابية خلال استئناف المحكمة لجلساتها، مصدر تلك الطاقة عودة الرئيس من رحلة حج، وانتهاء دورة المحكمة الجنائية بالنسبة للمستشارين بالمحكمة، أما المتهمون ودفاعهم فقد كانوا سعداء باستئناف المحاكمة الذي هو الطريق الوحيد لتقريبهم من الخلاص.
ساهم في سيادة تلك الطاقة قلة المحامين المؤازرين لبقية المستجوبين من المتهمين (محام أو إثنين عن كل واحد)، والتزام الحاضرين منهم مع الوزيرين الأولين أقصى درجات ضبط النفس والتقيد بتوجيهات رئيس المحكمة.
رغم ذلك ظهر رئيس المحكمة متشنجا في تعاطيه مع تدخل جانبي من أحد أعضاء فريق الدفاع عن الرئيس السابق، وحمل تعاطيه تلميحا بالوصول للطرد حال عدم الاستجابة التلقائية للأوامر، وهو ما رأى فيه بعض المحامين رسالة من المحكمة بعدم ممانعتها في تحمل تبعات قرارات تستفزهم يقبلونها أو يتحملوا مسئولية تعطيل سير محاكمة يريدون ومن وكلوهم انتهاء ها في أسرع الآجال.
إرهاصات تعارض مصالح المشمولين
الجلسة الثانية من جلسات المحكمة بدأت الساعة العاشرة واستمرت حتى الساعة الثانية والنصف؛ أي أنها استمرت نحو أربع ساعات ونصف، وفيها بدأت إرهاصات تعارض المصالح بين المشمولين في الملف بفعل تداخل الملفات التي يستجوبون حولها، باعتبارها ملفات مشتركة بين أكثر من متهم؛ حيث يتشارك محمد سالم ولد البشير مع الطالب ولد عبدي فال شغل إدارة "صوملك" و "سنيم " ووزارة الطاقة، بينما يشاركهما محمد عبد الله ولد أوداعة إدارة "سنيم" ووزارة الصناعة. أما "صوملك" و" سنيم " فمشتركة بين الطالب ولد عبدي فال، وولد البشير والمرخي، وهو ما يجعل من الوارد تعارض المصالح بين المتشاركين.
كان المنتظر في ظل الشعور الجماعي بالاستهداف والتشارك في السجن أن يكتفي كل واحد منهم بتبرئة نفسه دون أن يتهم غيره، إلا أن جلسة الاستماع إلى ولد البشير اتخذت منحى مغايرا، حيث ورد على لسانه ما يمثل توجيه التهمة للطالب ولد عبدي فال باعتباره الوزير الذي أصدر الأمر بسحب تنفيذ طلبية الإضاءة الشمسية من الشريكة الإسبانية ومنحه للشركة الصينية الممثلة من طرف المرحوم أحمدو ولد محمد ولد عبد العزيز. كما وجه نفس الاتهام للمرخي باعتباره من قام فعليا بتنفيذ أمر السحب.
المؤكد أن ولد عبدي فال والمرخي سيردان على هذا التعريض بهما عندما يمثلان للاستجواب بعد أن رفع عنهما الحرج في ذلك.
والمؤكد كذلك أن ولد البشير ذكر أرقاما ومعطيات عن مديرين عندهم ملاحق وملحقات لعقود بأضعاف ما عنده ومع ذلك لم يسألوا، وهو ما دفعه إلى القول إن وجوده في الملف جعله "الشاهرة"، فيما كان لافتا استراقه النظر المرة بعد المرة إلى ولد عبد العزيز الذي لم يتفاعل مع نظراته بل وهز رأسه أحيانا نافيا لبعض مقولاته، كما حدث عند حديثه عن عدد المرات التي قابله فيها وهو في وظيفة الإداري المدير العام لشركة سنيم.
غياب المحامين الأجانب ومساعدو الوكيل
كان لافتا خلال جلستي المحكمة بعد التعليق اختصار النيابة على الوكيل وغياب مساعديه وحتى الكتاب، ولم يكن الغياب مقصورا على النيابة بل تجاوزها إلى ممثلي الطرف المدني الذين كان حضورهم أقل وهو ما علق عليه أحد المحامين بالقول إنه نتيجة حتمية لغياب "المستهدف الأول"، فيما توقع رجوعهم مع بداية المرافعات.
أما الغياب الأبرز فكان غياب المحاميين الأجانب "اللبنانية والسينغالي" الذين لم يكن غيابهم وارد ولا مبررا على اعتبار أن حديث المشمولين الفعليين في الملف يمس مركز موكلهم السيد محمد ولد عبد العزيز.
جلسة استجواب محمد سالم ولد البشير بدأت بأسئلة المحكمة، ثم جاء الدور على النيابة التي ظهر أثناء مداخلتها منحى جدلي ارتفع معه ضغط ولد البشير وأصر على مواصلة الاستجواب لكن آثار الانفعال في حديثه، والشفقة عليه من المحكمة نتيجة وضعه الصحي دفعا إلى تعليق الجلسة قبل العودة إليها بعد الاستراحة.
غداء المحكمة ...حين ينتقر الآدب
من الملاحظات الخفيفة خلال جلستي المحكمة ملاحظة المحامي المختار ولد اعل حين قال إن دعوة المحكمة إلى الغداء ليست دعوة "جفلى"، قائلا إن المحكمة تتغدى هي والنيابة دون المحامين، وهي الملاحظة التي لم تعلق عليها المحكمة.
في نهاية الجلسة الثانية بعد التعليق طلب دفاع ولد البشير الاستماع لشاهد "لعله مدير الشؤون القانونية بشركة سنيم" وهو ما يطرح التساؤل حول نية المحكمة بشأن الاستماع لبقية الشهود على اعتبار أن استمرار الاستماع لهم بعد انتهاء استجواب المتهمين يعنى حق وحاجة المتهمين لتناول الحديث من جديد للتعليق على تلك الشهادات.