الراصد : أُسعدتم مَساءً
نستهل الورقة الثالثة من حيث انتهينا من السابقة، والتي ستخصص لأشهر قليلة من سنه 2011، خلاف ما ذكرت لكم سالفا، وذلك يعود لطول الموضوع..
كانت موريتانيا قد خرجت لتوها من نصر معنوي على تنظيم القاعدة بجيش مازال وقتها ضعيفا ومشتتا، وقليل الخبرة والعدد والعتاد، مع بوادر أزمة سياسية داخلية نتيجة تنصل رئيس البلاد من اتفاق دكار المبرم بين القوى السياسية منتصف العام 2009، فأرادت القاعدة في شمال مالي انتهاز الفرصة للتخلص من الرجل الذي تعتبره الخطر الأول على وجودها وتوسعها في المنطقة، فقررت اغتياله، وخططت لذلك بتجهيز سيارات مفخخة وإرسالها إلى نواكشوط للتخلص منه بتفجير القصر الرئاسي، وكذلك تدمير مبنى السفارة الفرنسية في #نواكشوط،
شقت السيارتان طريقهما من الحدود المالية الموريتانية حتى وصلتا إلى ضواحي نواكشوط على بعد كيلومترات قليلة من حي قندهار شرقي مقاطعة عرفات وشمال مقاطعة الرياض..
في المقابل كانت موريتانيا خلال الاشهر الفارطة قد حصلت على أكبر قدر من المعلومات حول القاعدة باعتقالها ل #عمرالصحراوي عن أجهزة اتصالاتها وأهدافها المستقبلية ومخططاتها التوسعة باعتبارها موريتانيا حلقة ضعيفة، وكانت الكتيبة شبه الوحيدة المجهزة تقنيا لمتابعة مثل الأخطار هي كتيبة الأمن الرئاسي التي يشرف على عملياتها بشكل مباشر #عزيز، وكانت تتابع لحظة بلحظة تحرك السيارتين حتى حددت مكان تواجدهما.، لتتوجه نحوهما ليلا فرقة بقيادة الضابط شيخنا ولد القطب، وتشابكت معهما لتنجح في تفجير إحداهما مما تسبب في إصابات بليغة لعدد من أفراد الفرقة، - نقلوا بعد ذلك للعلاج خارج البلاد،- ومقتل المهاجمين، وفرار السيارة الثانية، التي ظلت أجهزة المخابرات تتبعها حتى عثرت عليها جنوب البلاد، والقت القبض بعد ذلك على عناصرها بإحدى الدول الأفريقية في عملية مشهودة..
شكلت هذه العملية تحولا عميقا في نظرة القيادة السياسية تجاه المؤسسة العسكرية، وحولت تجاهلها لها، إلى أنفاق بسخاء على التسلح والتدريب خصوصا على فنون القتال البرية، مستعينة بقيادات عسكرية متعلمة وعلى مستوى عالي من الوعي بضرورة تعزيز السيادة بتقوية الجيش الجمهوري، والابتعاد به عن الصراع السياسي الداخلي،وعملت في صمت وبتفاني، فخرجنا خلال سنوات قليلة بأحد أقوى جيوش منطقة الساحل وأكثرهم قدرة على مواجهة العصابات المسلحة..
سياسيا كانت المنطقة المغاربية مشتعلة بالثورات في تونس وليبيا، وحراك عشرون فبراير في المغرب، و25 فبراير في موريتانيا.، وكانت اكثر الساحات اشتعالا الساحة الليبية التي كانت فرنسا ساركوزي وأمريكا وحليفتيها قطر والإمارات تصران على استخدام القوة ضد القذافي لإزاحته، وهو ماكانت ترفضه الوساطة الأفريقية برئاسة عزيز التي تقابل في نفس الوقت اعتراضا من نفس القوى على دخولها لليبيا، لكن #عزيز أصر على دخولها ولقاء القذافي لعرض الوساطة الأفريقية ومحاولة الضغط عليه للقبول بها، وبعد مفاوضات طويلة قبل القذافي بالخطة الأفريقية التي تقتضي إطلاق حوار بين انصاره والمجلس الانتقالي شرقي البلاد لإطلاق عملية سياسية لايكون شخص القذافي مشاركا فيها، وهو ما قبل به، لكن القوى الغربية رفضتها رفضا باتا، وأصرت على مواصلة الحرب حتى إزاحة القذافي وأبنائه، ومن الغريب أن خطة #عزيز التي اقنع بها القذافي هي نفس الخطة التي اعتمدها الغرب بعد ذلك..
كان عزيز شبه مقتنع بأن القذافي لن يقبل بالتنحي، وفي حالة رضوخه للضغوط الأفريقية وقبِل به، لن يقبل المسلحين شرق البلاد بذلك، لكن مصالح الموريتانيين في ليبيا هي ما دفعته إلى المحاولة، حيث تعتبر الجالية الموريتانية هي اكبر جالية أفريقية هناك واكثرهم نشاطا في مجال المواد الغذائية واللحوم البيضاء..، ولم يكن اصراره على دخول ليبيا رغم اعتراض الغربيين له، إلا محاولة لوقف إطلاق النار، وإلا فليؤمن ما استطاع تأمينه من مصالح الجالية-حسب تعبير أحد معاوني الرجل آنذاك-.
حين ضمن #عزيز موافقة القذافي على خطته وقبل ان يتوجه رفقة زملائه الأفارقة إلى بنغازي، تلقى تحذيرات أمنية من دخوله المدينة، بأنه غير مرحب به من طرف بعض الجماعات المسلحة، وأن دخوله المدينة قد يعرض حياته للخطر..
لم يولِالرجل الذي دخل ليبيا بثلاثين رجل من حمايته الشخصية المدربة أحسن تدريب، أي اهتمام لتلك التهديدات، ودخل بنغازي وأقام بنفس الفندق الذي انطلقت فيه المفاوضات ووصلت إلى طريق مسدود..
خلال تلك المفاوضات بعث الرئيس بالقائم بالأعمال في ليبيا، (الرجل البطل الشجاع الذي لن ينساه عزيز ولا الجالية هناك، لإقدامه وتفانيه في خدمتهم خلال تلك الازمة التي استغرقت أربع سنوات، والذي سأعود لدوره الكبير في تفاصيل أكثر..) رفقة رجال من أمن المخابرات الخارجية الموريتانية إلى حيث يحتجز الرهينة الموريتاني مراسل قناة الجزيرة أحمد فال ولد الدين، لتسلمه من خاطفيه، وشهدت هذه العملية مشاهد ظريفة، سأعود إليها، إنْ أذن لي بذلك أصحابها..
عاد القائم بالأعمال الي الفندق رفقة المواطن المذكور، وبدأت الوفود بمغادرة الفندق، لكن المفاجئة الغير محسوبة كانت تعرض الفندق لقصف من بعض الجماعات المسلحة، ليتدخل أمن الفندق ويطلب من الوفود مغادرته عبر جناح المطبخ فالسيارات والحافلات بانتظارهم عند البوابة الخلفية، لبى الجميع طلب أمن الفندق، إلا عزيز الذي أصر على الخروج من البوابة الرسمية تحت صوت الرصاص، واستغل رفقة أمنه الخاص ووفده الرسمي السيارات والحافلة المخصصة لهم والتي اقتحمها عليهم شخص مسلح ألقت عناصر المخابرات المتواجدة معهم القبض عليه، وسلمته للامن الليبي بمطار بنغازي بعد وصولهم..
انتهت مبادرة عزيز بالفشل وذلك بتكالب فرنسا وأمريكا وقطر والإمارات عليها وإصرارهم على تحييد نظام القذافي بالكامل .. وابقى على عدد من رجال المخابرات الخارجية الموريتانية هناك للإشراف مع القائم بالأعمال على تأمين خروج آمن للجالية.. وهو ماتم خلال أشهر..
يتواصل..