بنشاب : تأكد أن المفر لن ينجيه، وأن الشقاء المتسرب من تشققات المصير مدركه لا محالة، فانفجر باكيا، ليس بالضرورة جبنا و لا ذعرا، وليس قطعا ندما، إنما استسلاما لمغبة لعمر ذي مسغبة..
وداع مؤثر لسراب الخلاص الذي طالما سكنه، و انفصام موجع لعروة أمله في كسب الرهان، ومواصلة الصبر على ما لم يُحط به خبرا، بعد تاريخ من التجلد على مصائب وطن لم يسأله غير حقوقه المسلوبة، وبعد احتراق نصف شمعة عمره، و خرق سفينة الإنصاف، و محاصرته بقانون يأخذ كل كلمة غصبا، شد على ظهره حقيبة موروثه الإنساني المثقلة بالتهميش و الوصم و الحيف، بعد أن باع كل مقتنيات أسرته، و حفر بأظافره وديان الكدح اليابسة، ثم اتبع سببا، منطلقا في رحلة ظنها فراق بينه و الرحم التي ضاقت عليه بما رحبت..
وما هي إلا فترة قصيرة من التحليق فوق غيوم الآمال الماطرة خارج ضغط غلاف الاختطاف ، الذي ولد وعاش تحت سطوته، حتى وجد نفسه في حلقة أضيق لاختطاف كُتب عليه أن يعيش فيه، مهددا مهمشا معذبا، مسلوبا كل مقومات إنسانيته، مُجوعا تحت فوهات الموت الموجهة أبدا إلى دماغه المحترق هما وكمدا.
بكى ليقينه الراسخ بأن الوطن في قريته هو القبيلة و قد ذل من لا قبيلة له، لإيمانه القوي بأن من يختطفون بلاده ليسوا أكثر رحمة من صعاليك المكسيك الذين يوجهون مسدساتهم إلى قلبه المرفرف بين أضلاعه، لذلك لا ينتظر نجدتهم.. بكى شفقة على عائلته من لهيب الشعور بالعجز، عندما تصلهم صورته مرفقة بمبلغ لم يروه من قبل، ولا سبيل إلى حصولهم عليه.. بكى لأن شمعة عمره صهرتها نيران الغبن و الظلم، ففاضت على شمعدان جسده الصدئ..
صور ة موجعة لمواطنين يحملون جوازات سفر بلد لا يوفر لهم الحماية في أي مكان، و يحرمهم العيش الكريم على أرضه، وعند تعرضهم للمصائب خارج أرضه يكون جيش القبيلة أملهم الوحيد للتدخل.. أما من لا قبيلة لهم فيصلبهم مصيرهم البائس على بوابات الضياع ليتخذهم الملأ عبرة لكل من يطالبون بتشييد وطن بدل قبيلة!.
الماجدة عزيزة البرناوي