تذكروا أن الشعب ليس بغافل، و أن التاريخ يسجل ...

أربعاء, 25/05/2022 - 08:13
الوزير السابق د/محمد جبريل

بنشاب : يقال في موروثنا الشعبي إن "لحم الرقبة مأكول ومذموم في نفس الوقت" ولإنْ كان لحم الرقبة بالفعل يُصنّفه المختصون بأنه من صنف "اسلاليخ" رديئ الجودة والمذاق، فإنّ المثل الشعبي يأخذ على من أصاب منه أنْ يعيبه! 
وباسقاط ماسبق على الحياة السياسية الوطنية فإن زعماء ما كان يُعرف بالمعارضة التقليدية وطيلة السنوات الثلاث المنصرمة ما فتئوا يثنون على الرئيس الحالي وعلى حكومته ويدافعون عن سياساتها ويؤيدونها سرا وعلانية ويصمون الآذان عن أخطائها وإخفاقاتها المتكررة ويُسكتون أتباعهم عن فسادها وإفسادها، بل ويتنافسون في اختلاق المبررات لفشلها وتلفيق الأعذار والحجج الواهية دعما لها، وخصوصا إبان الهزات وفي أوقات الضعف الشديد الذي مرت به، حتى أن الكثيرين استغربوا من قدرة الرئيس الخارقة على تحويل وتحوير مواقف الأشخاص !
 ولكن سرعان ما اتضح للشعب أن كل ذلك الدعم الذي زاحم وأزعج وضايق أشد المدافعين عن المرجعية، كان مقابل مزايا مادية من قبيل تعيين رفيق أو قريب أو ترخيص منظمة محرمة بقوة القانون، أو الحصول على صفقة بالتراضي أو المشاركة في أحد صناديق أو مشاريع الفساد وتبديد موارد الدولة، أو حتى الحصول على اكراميات مادية. 
 ‏
ففقط ‏مقابل تلك المزايا الضيقة والضعيفة والسخيفة، سكت "الديمقراطي" عن النكوص عن المكتسبات الديمقراطية وأصبح الدستور بقدرة قادر لايعني له شيئا تماما مثل الحريات. 
فالصحافة الحرة المرئية والمسموعة يجب أن تنقاد وتذعن وتبث على مدار الساعة كل ما تنتجه إذاعة موريتانيا. وحرية التعبير وحرية الانتماء لحزب مجرد كماليات، وأصبح الفساد وصفقات التراضي ومظالم الشعب وصرخات المستضعفين وسجن الشباب الثائر وتدني الخدمات وارتفاع الأسعار وإفلاس الشركات الوطنية وتدهور الأمن الداخلي والخارجي أمور مقبولة، بل وشرط متين حتى ينعم هؤلاء الساسة بمناخ التهدئة ويستفيدوا من المسحة الأخلاقية. 

وليس ما يسمونه اليوم بالتشاور أو التحاور سوى فرصة بالنسبة لهؤلاء، ففيه تقسم المزايا وفيه يتسلق كل طرف مايملك من قضايا هي في الأصل معدة لملإ البطون ولايراد لها أن تجد حلا، معدة لإبتزاز الحاكم. الحاكم الذي وضع نفسه بنفسه في موقف ضعف وعليه أن يُسكت كل طرف لأنه ببساطة لايمكنه حل وإنهاء المشاكل المدرة للدخل.  
الانتخابات على الأبواب وغدا سيخرج هؤلاء إلى الملإ لانتقاد الحكومة ومن بعدها الرئيس صاحب المسحة الأخلاقية . لقد امتلأت البطون من "لحم الرقبة" وبدأ موسم ذمّها، ستظهر مفردات "المرحلة" وسيتذكرون الشعب. سيتكلمون عن الدستور وعن المكتسبات الديمقراطية وعن الفساد وعن ارتفاع الأسعار وعن الأمن. لكن ذاكرة الشعب ليست ضعيفة إلى ذلك الحد، فكلامهم هذه المرة سيكون حجة عليهم. ستنطق ألسنتهم اليوم  بكلام وستشهد مواقفهم بالأمس ضدهم، و سينساهم الشعب مثل ما نسوه يوم أكلوا لحم الرقبة.
أتفهم معارضة هؤلاء الشخصية للرئيس السابق التي لاشك أن لها علاقة "باسلاليخ" التي حرمهم منها، ولكن لايمكن لأي كان أن يتفهم سكوتهم عن مصلحة الشعب والوطن طيلة السنوات الثلاث. وماذا حققوا لشعبهم بسكوتهم ؟ الواضح أنهم لم يزيدوا النظام الذي دعموه إلا فسادا وخرابا وإلا فماذا طرأ بعد التفاهم والالتفاف حول الرئيس الجديد؟ هل تقدم البلد في مجال واحد يمكن أن يحسب  للمسحة الأخلاقية؟ هل تم ترسيخ الديمقراطية ودولة القانون ؟ هل توقف الفساد؟ ... ولا انجاز واحد.
الحقيقة المرة تقول إن هذه طبقة سياسية فاسدة ومنتهيه الصلاحية لا يمكن التعويل عليها لإحداث التغيير ، تضع رجلا في الموالاة وأخرى في موقع المعارضة إِنْ أعطيّتْ سكتت واسكتت وإنْ مُنعت غاظت وابتزت نظاما ضعيفا اعتادت إخضاعه لرغباتها بتعيين الأبناء والأقارب وتوزيع الصفقات وتبديد موارد البلد في سياسة المجاملة والارضاء.